عندما نرجع بالذاكرة إلى ما قبل الاتحاد، ونسبر تاريخ هذه المنطقة، نجد أنها كانت أجزاء متفرّقة، ليس لها كيان قوي يُذكر، فكانت معرَّضة للأطماع والأخطار، وكانت القوى الطامعة تنظر إليها بعين الجشع والطمع، وتحاول بسط سيطرتها عليها؛ لما لها من موقع تاريخي واستراتيجي مهم وكبير، فتعرَّض أبناء هذه المنطقة في تلك الفترات لصور مختلفة من الغزو والاستعمار والاضطهاد، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل طرد الغزاة والمحافظة على استقلالهم، وكان حلم الوحدة والمنعة يراودهم كل حين، ليصونوا أنفسهم، ويحموا ديارهم، ويدفعوا عنهم كيد الأعادي، حتى سخّر الله تعالى لأبناء هذه المنطقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله،
فشمَّر عن سواعد الجد، وعمل ليلاً ونهاراً بعزم وإصرار، وصبر وإيمان، ودراسة وتخطيط، وتعاون مع إخوانه المؤسسين، حتى توحّدت الصفوف، وتآلفت القلوب، واجتمعت الإمارات المتفرقة في دولة واحدة متّحدة، ليكتب التاريخ في صفحاته المشرقة وبمداد من ذهب هذا الإنجاز التاريخي الفريد الذي قل له نظير في القديم والحديث، ثم لم تمر سنوات يسيرة جداً حتى صدر القرار التاريخي بتوحيد القوات المسلّحة، من أجل بناء قوة دفاعية متينة حصينة، تحمي وتصون هذا الوطن.
وكان الأمر كذلك، فنحن اليوم ننعم بحمد الله تعالى في أرض هذا الوطن المعطاء بالأمن والأمان والازدهار، سالمين مطمئنين على أنفسنا وأعراضنا وأموالنا، وذلك بفضل الله سبحانه، ثم بوجود قواتنا المسلحة الأبية التي أولتها قيادتنا الرشيدة العناية والرعاية، حيث حرص مؤسسو هذه الدولة منذ أول يوم للاتحاد على بناء دولة قوية منيعة مزدهرة في مختلف الجوانب بما في ذلك الجانب العسكري، واستمر البناء والتطوير على يد قيادتنا الحكيمة متمثلة في رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وولي عهده الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وإخوانه حكام الإمارات.
نعم، لقد أصبحت لنا اليوم قوة نفتخر ونعتز بها، لها مكانتها ووزنها، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، سواء كانت قوة برية أو بحرية أو جوية، وهذه نعمة كبرى تستدعي منا شكر المولى تعالى، ثم شكر قيادتنا الرشيدة التي لم تألُ جهداً في إنشاء هذه القوة المنيعة وتطويرها، وشكر قواتنا المسلّحة الباسلة التي كانت على قدر كبير من المسؤولية والطموح.
إننا إذ نتكلم عن قواتنا المسلّحة، فإننا نقول بملء الفخر والاعتزاز حامدين شاكرين لله: إن جهود قواتنا المسلّحة أصبحت بارزة مشهودة، وصار تاريخها وحاضرها مشرقاً ومشرفاً، فكانت على الدوام الدرع الحصينة للوطن، تسهر على سلامة ووحدة أراضيه، وتعزز أمنه واستقراره ورخاءه، وتصون منجزاته ومكتسباته ومقدراته، كما كانت من فضل الله تعالى نصيرة للأمن والسلام والاستقرار في كل مكان، حتى امتدت أياديها البيضاء في مختلف مناطق العالم بالتعاون مع المجتمع الدولي، تزرع الوئام، وتغرس السلام، وتحافظ على الأرواح والدماء، في مشاريع عدة، منها ما كان متعلقاً بإزالة الألغام من الأراضي والحقول، ومنها ما كان متعلقاً بالتصدي لجرائم القرصنة البحرية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ومنها ما كان متعلقاً بواجب الدفاع عن الأشقاء ودفع البغي عنهم، وها هي اليوم تكمل مسيرتها المشرقة، وتسهم بكفاءة وجدارة مع أشقائها في حفظ الأمن والسلام وإعادة الأمل إلى اليمن الشقيق.
إن قواتنا المسلحة لم تتميز بجهودها الإنسانية وأهدافها السامية فقط، بل تميزت أيضاً بكفاءات رجالها، وقوة عتادها، واستراتيجياتها الدفاعية المتميزة، فرجالها مشهود لهم بالكفاءة والجدارة والانضباط والتحلي بروح الإسلام وسماحته، واستراتيجياتها قائمة على التزود بأحـدث الأنظمـة والمعدات العسكرية ومواكبة التقدم الحاصل في هذا المضمار، والسعي الدائم نحو الابتكار والتجديد في أساليب التسلح والتدريب، كما أشار إلى ذلك سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في كلمته بمناسبة ذكرى توحيد القوات المسلحة.
وأغتنم هذه الفرصة لأقول لأبناء القوات المسلّحة: بورك فيكم على ما قدمتموه وما تقدمونه، وسيروا دوماً نحو الأمام، مؤتمرين بقيادتكم الرشيدة، مؤدين أمانتكم على أكمل وجه، وثقوا بأنكم محل تقدير وتكريم من قبل قيادتنا، ومحل فخر واعتزاز من قبلنا نحن المدنيين، فأنتم حماتنا، وأنتم الساهرون على حماية هذا الوطن الغالي المعطاء.
كما أقول لأبنائنا الملتحقين بالخدمة الوطنية: بارك الله في مسعاكم، واعلموا أنكم في ميدان شريف، وعمل مبارك، فالذود عن الوطن واجب ديني ووطني، فكونوا على قدر المسؤولية، وجدُّوا واجتهدوا، وتزودوا بالإيمان القوي، وتسلحوا بالعزيمة الصلبة، وتنافسوا على تطوير مهاراتكم، وتنمية قدراتكم، لتنالوا الأجر من الله تعالى، وتفوزوا بشرف الدفاع عن هذا الوطن الغالي.
وأخيرا أقول: ها هي قواتنا المسلّحة تكمل مسيرتها بعد مضي 39 عاماً من تأسيسها، شامخة مرفوعة الهامة، تنطبق عليها بحق وصدق مقولة مؤسس الدولة الشيخ زايد، رحمه الله: «إننا إذ ننظر إلى المستوى الرفيع الذي وصلت إليه قواتنا المسلحة خبرةً وانضباطاً وحسن قيادة وكفاءة قتالية نشعر بالفخر والاعتزاز والاطمئنان. إننا نستطيع بعون الله وبحمده أن نفاخر بهذه القوات أحدث الجيوش». ونحن نقول كما قال مؤسسنا: إننا نفاخر بقواتنا أحدث الجيوش في العالم.
وفّق الله قواتنا المسلحة، وسدد خطاها، وتوج مسيرتها بكل خير وعطاء.