تجمع دولَ الخليج وشعوبَها روابطُ وصلات عديدة، من أهمها الدين الإسلامي الحنيف، واللغة العربية، والتاريخ المشترك، ووحدة المصير والأهداف، والوحدة الجغرافية، والتمازج الأسري بين مواطنيها، وتشابه العادات والتقاليد.
وقد أنعم الله تعالى على أبناء هذه المنطقة بنعم كثيرة وفيرة، من أهمها قيام مجلس التعاون الخليجي، الذي كان له أثر إيجابي كبير على كل المستويات، الذي أثمر الخير والرخاء والاستقرار والتلاحم وارتفاع مستويات المعيشة لأبناء هذه المنطقة حتى غدوا، بفضل الله تعالى، كالجسد الواحد.
وقد قام مجلس التعاون الخليجي لأهداف سامية، تمثلت في تعميق وتوثيق الروابط والصلات بين شعوب المنطقة، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط في كل المجالات، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني لتحقيق الارتقاء والازدهار.
لقد أعطى دول مجلس التعاون للمواطن الخليجي الامتيازات، التي تجعله يتمتع بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء، بحيث تتوفر له كثير من المزايا، التي تمنح للمواطنين في جميع المجالات في هذه الدول، ومن ذلك على سبيل المثال: سهولة التنقل والإقامة بين هذه الدول، فلا يحتاج مواطنو دول المجلس إلى تأشيرة دخول، والعمل في القطاعات الحكومية والخاصة.
وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، وتملك العقار، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وتأسيس الشركات، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، وغير ذلك من المزايا التي يتمتع به مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي.
ولا شك في أن هذه النعم الوفيرة تستوجب من أبناء هذه المنطقة الشكر، لا سيما فئة الشباب الذين هم عماد المجتمع وعموده، وقد حثنا المولى على لزوم الشكر على النعم، فقال تعالى: {واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون}، وجعل الله شكر النعم سبباً لدوامها وزيادتها، فقال سبحانه: {لئن شكرتم لأزيدنَّكم}.
ولهذا رأيت أنه من المستحسن أن أذكّر نفسي وشباب الخليج بهذه النعم، وحثهم على الشكر مع بيان بعض صوره، التي منها:
أولاً: تصور هذه النعم، واستحضارها، والاعتراف بالمنة لمن أسداها وأولاها وهو الله سبحانه، حيث قال: {وما بكم من نعمة فمن الله}، فاجعل قلبك أيها الشاب مستحضراً فضل ربك عليك، معترفًا بالنعم التي أنت تتمتع فيها، من أمن وإيمان ورخاء وصحّة ومعافاة وعلم ومعرفة وسائر النعم الكثيرة التي تحيط بك، وقلب بصرك فيها بعين الاعتراف والامتنان ليمتلأ قلبك بمحبة المنعم المتفضل، وقارن بين الخيرات التي تتنعم فيها في دول الخليج وبين المتغيرات السلبية التي تعصف بالدول الأخرى وما أصابها من أضرار عظيمة في أمنها واستقرارها.
ثانيًا: الشكر لله باللسان وداوم حمده في كل حال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» فاجعل لسانك أيها الشاب رطباً بذكر الله وحمده والثناء عليه، وتأمل حال المحرومين من النعم، التي أنت ترفل فيها، لتعرف قيمتها، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: « فكم ممَّن لا كافي له ولا مؤوي».
ثالثًا: الاستقامة على دين الله تعالى، واستعمال نعمه في طاعته ومرضاته، قال تعالى: {اعملوا آل داود شكراً}، فاحرص أيها الشاب على أن تكون مطيعاً لله تعالى، متمسكاً بدينه الحنيف، منتهجاً طريق الوسطية والاعتدال الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن التحزبات والتنظيمات والتكتلات المناوئة لولي الأمر، لتحظى بالحياة السعيدة الهانئة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {إن الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}، والإيمان والعمل الصالح سبب لحلول الخيرات والبركات، قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}.
رابعاً: شكر من جعلهم الله سبباً لتحقيق هذه النعم والخيرات، لا سيما ولاة الأمور في دول الخليج، الذين بذلوا الجهود الحثيثة لتوفير السّعادة والرخاء لشعوبهم، وكانوا السبب في قيام مجلس التعاون، وما نتج عنه من خير عميم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، وذلك بالالتفاف حولهم، والتعاون معهم ، والدعاء لهم، والوقوف معهم ضد الطامعين والمغرضين.
خامساً: الأخذ بأسباب المحافظة على هذه النعم، والحذر من مهدداتها ومنغصاتها، ومن ذلك: سد الباب أمام الثقافات الفاسدة، التي دخلت باسم الربيع العربي المزعوم وإبطال الأفكار الدخيلة التي تفرق وتمزق وتفتح باب الصدام والشقاق وتخل بنعمة الأمن والاستقرار، والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب والتطرف، والانخراط في استراتيجيات البناء والتطوير، التي تقوها قياداتنا الحكيمة.
وأخيراً أقول يا شباب الخليج إياكم أن تكونوا سبباً في زوال النعم التي تتمتعون بها، وحذار من أن تصيركم حماساتكم إلى أيد عابثة تسير ممن يريد اضطراب الخليج وجلب الخراب عليه.
أسأل الله سبحانه أن يحفظ شبابنا، ويوفقهم إلى كل خير، ويجعلهم ذخراً وسنداً لأسرهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.