قال الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمه الله تعالى[1]:
بسم الله الرحمن الر حيم
اعلم رحمك[2] الله؛ أن الله [تعالى][3] خلق الخلق لعبادته؛ الجامعة لمعرفته، ومحبته، والخضوع له، وتعظيمه، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وإسلام الوجه له، وهذا هو الإيمان المطلق المأمور به في جميع الكتب السماوية، وسائر الرسالات النبوية.
ويدخل في باب معرفة الله تعالى[4] توحيد الأسماء والصفات؛ فيوصف سبحانه بما وصف به نفسه من [صفات الكمال][5]، ونعوت الجلال، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، [و]لا يتجاوز [العبد][6] ذلك[7]، ولا يوصف [الله][8] إلا بما ثبت في الكتاب والسنة.
وجميع ما في الكتاب والسنة يجب الإيمان به، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[9]، فأسماؤه كلها حسنى؛ لأنها تدل على الكمال المطلق، والجلال المطلق، والصفات الجميلة.
فنثبت ما أثبته الرب لنفسه، وما أثبته رسوله [صلى الله عليه وسلم][10]، [و]لا نعطله، ولا نلحد في [أسمائه ولا آياته][11]، ولا نشبه صفات الخالق بصفات المخلوق [{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} {قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد} {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}][12]؛ فإن تعطيل الصفات عما دلت عليه = كفر، والتشبيه فيها كذلك = كفر.
وقد قال مالك بن أنس رحمه الله لما سأله رجل؛ فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[13] [كيف استوى][14]؟ فاشتد ذلك على مالك [رحمه الله][15]، حتى علته الرحضاء، إجلالا لله[16] وهيبة له من الخوض في ذلك، ثم قال رحمه الله[17]: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول[18]، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). يريد رحمه الله تعالى[19] السؤال عن الكيفية[20].
وهذا الجواب[21]: يقال في جميع الصفات؛ لأنه يجمع الإثبات والتنزيه.
ويدخل في الإيمان بالله ومعرفته؛ الإيمان به[22] وبربوبيته العامة الشاملة لجميع الخلق والتكوين، وقيوميته العامة الشاملة لجميع التدبير والتيسير[23] والتمكين؛ فالمخلوقات بأسرها مفتقرة إلى الله [في قيامها، وبقائها، وحركاتها، وسكناتها، وأرزاقها، وأفعالها، كما هي مفتقرة إليه][24] في خلقها، وإنشائها، وإبداعها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}.
ويدخل في الإيمان به[25]؛ إيمان العبد بتوحيد الإلهية الذي تضمنته[26] شهادة الإخلاص (لا إله إلا الله)؛ فقد تضمنت نفي استحقاق العبادة بجميع أنواعها عما سواه [تبارك و][27]تعالى، من كل مخلوق ومربوب، وأثبتت[28] ذلك على وجه الكمال الواجب والمستحب لله تعالى، فلا شريك له في فرد من أفراد العبادة، إذ هو الإله الحق المستحق[29] المستقل بـ: الربوبية، والملك، والعز، والغنى، والبقاء.
وما سواه فقير، [و]مربوب، [و]معبد خاضع، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا; فعبادة [أحد][30] سواه [تعالى][31] من[32] أظلم الظلم، وأسفه السفه; والقرآن كله راد[33] على من أشرك بالله، في هذا التوحيد[34]، مبطل لمذهب جميع أهل الشرك والتنديد، آمر[اً] [وحاضاً][35]ومرغبـ[ـاً][36] في إسلام الوجه لله [وحده][37]، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والتبتل [له][38] في عبادته.
و[معنى][39] العبادة في أصل اللغة لـ: مطلق الذل والخضوع، ومنه: طريق معبد؛ إذا كان مذللا قد وطأته الأقدام، كما قال الشاعر:
تبارى عتاقا ناجيات واتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبد[40]
واستعملها[41] الشارع في: العبادة الجامعة لكمال المحبة، وكمال الذل والخضوع، وأوجب الإخلاص له فيها، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.
وهذا هو التوحيد الذي جاءت به [كل][42] الرسل، ونزلت به [جميع][43] الكتب[44].
والعبادة إذا خالطها الشرك = أفسدها وأبطلها; ولا تسمى عبادة، إلا مع التوحيد [الخالص][45]، [قال ابن عباس: "ما جاء في القرآن من الأمر بعبادة الله إنما يراد به التوحيد"][46]. انتهى
ويدخل في العبادة الشرعية كل ما شرعه الله ورضيه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة، كمحبة الله، وتعظيمه، وإجلاله، وطاعته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، ودعائه خوفا وطمعا، وسؤاله رغبا ورهبا، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهود، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار واليتيم [والمملوك][47] والمسكين وابن السبيل، وكذا النحر والنذر؛ فإنهما من أجلّ العبادات وأفضل الطاعات، وكذا الطواف ببيته تعالى وحلق الرأس تعظيما وعبودية، وكذا سائر الواجبات والمستحبات.
فحق الله على العباد: أن يعبدوه [وحده لا شريك له][48]، ولا يشركوا به شيئا.
والشرك في العبادة ينافي هذا التوحيد ويبطله، كما قال تعالى _ لما ذكر حال[49] خواص أوليائه ومقربي رسله _: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
والشرك قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع كما في حديث ابن مسعود [رضي الله عنه][50] أنه قال: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"، والند: المثل والشبيه[51].
[1] أتت طرة المطبوع في مجموعة الرسائل؛ هكذا: (وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه- كلام في توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة، أبلغ فيه غاية البلاغة، وأفصح في ترصينه وترصيعه بأوضح عبارة. فحقيق لمن نصح نفسه، ولها عنده قدر وأحب سعادتها، وسعى في نجاتها وتخليصها، وأراد إفادتها أن يتحقق بما اشتمل عليه من الحقائق والمعارف، ويسيم ثاقب فكره في مروج معانيه، وما احتوى عليه من العلوم النافعة واللطائف، لأن ما اشتمل عليه هو أهم الأشياء وأجل العلوم، وعليه المدار، وعنه السؤال يوم القيامة.
وأمر هذا شأنه حقيق بأن تثنى عليه الخناصر، ويعض عليه بالنواجذ، ويقبض فيه على الجمر، فتدبره تجده قد أودعه من الكنوز ما لم تجده في المطولات، بأتم عبارة وأوضح بيان لأهل العقول المستنيرات، وأجلى عن محاسن معانيها غياهب الشكوك والضلالات، وأوهام أرباب الشبه والجهالات، فصار قرة عيون الموحدين، وقذى في عيون المشركين.
فيا حي يا قيوم يا من له الثنا ... ويا من على العرش استوى فهو بائن
أنله الرضى والعفو فضلا ورحمة ... فإن (الفتى) يجزى بما هو دائن
وقد بذل المجهود في نصرة الهدى ... وإعلائه حتى علا لا يداهن
وأبدى كنوزا في العبادة للورى ... لكي يستبين الرشد من هو مائن
أماط القذى عنها وصفى معينها ... لواردها الصادي وما هو شائن
فرد منهلا عذبا زلالا فإنه ... يزيل الصدى والحق كالشمس بائن).
بينما أتت طرة المطبوع في حلب؛ هكذا: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين محمد. وعلى آله الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين.
قال الشيخ العلامة الموفق، الصالح التقي المدقق؛ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام، وعلم الأعلام، ناشر السنة، وقامع البدعة بالسيوف والأسنة والأقلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله رحمة واسعة، وجعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وجعلنا معهم برحمته وفضله.
[2] في المجموعة: (أرشدك).
[3] زيادة من المجموعة والمطبوعة.
[4] ساقطة من المجموعة والمطبوعة.
[5] بدلها في المجموعة: (الصفات).
[6] زيادة من المطبوعة.
[7] ساقطة من المجموعة.
[8] زيادة من المطبوعة.
[9] في المجموعة والمطبوعة: (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى).
[10] ساقط من المجموعة والمطبوعة.
[11] في الدرر والمجموعة بدلها: (فيه).
[12] زيادة من المطبوعة.
[13] في المطبوعة: (وقد سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله عن..)
[14] ساقط من المجموعة والمطبوعة.
[15] ساقط من المجموعة.
[16] في المجموعة: (منه).
[17] الترحم ساقط من المطبوعة.
[18] في المجموعة: (غير معلوم).
[19] ساقطة من المجموعة والمطبوعة.
[20] في المطبوعة: (الكيف).
[21] في المجموعة: (الحق).
[22] ساقط من المطبوعة.
[23] في المطبوعة: (والتسخير).
[24] ساقط من المجموعة.
[25] ساقطة من المجموعة والمطبوعة.
[26] في المجموعة: (تتضمنه).
[27] زيادة من المجموعة. وفي المطبوعة بدلها: (سبحانه وتعالى).
[28] تصحف في الدرر إلى: (وأثبت).
[29] ساقطة من المطبوعة.
[30] زيادة من المطبوعة.
[31] زيادة من المطبوعة.
[32] ساقطة من المجموعة والمطبوعة.
[33] في المجموعة: (رد).
[34] أتت العبارة في المطبوعة؛ هكذا: (والقرآن كله رادٌ على من هدم توحيد الإلهية والعبادة؛ فأشرك مع الله غيره في أي نوعٍ من هذه العبادة).
[35] زيادة من المطبوعة.
[36] في المجموعة: (مرغب).
[37] زيادة من المطبوعة.
[38] زيادة من المطبوعة.
[39] ساقط من المجموعة والمطبوعة.
[40] الوظيف: خف البعير، وهو كالحافر للفرس، والمور: الطريق المعبد في الجبل؛ سمي بذلك لأنه يضطرب فيه جيئة وذهابا. (محمد حامد الفقي)
[41] في المطبوعة: (واستعمله).
[42] زيادة من المطبوعة.
[43] زيادة من المطبوعة.
[44] يشير إلى أن ما اشتهر عند الناس من كتب العشرين صفة وأضدادها، وتطويل الخوض في ذلك، وما تفنن فيه أهل الجدل والكلام = ليس هو توحيد الرسل الذي بعثهم الله به. فافهم وتدبر أرشدني الله وإياك. (محمد حامد الفقي)
[45] زيادة من المطبوعة.
[46] ساقط من المجموعة.
[47] ساقط من المجموعة.
[48] ساقط من المطبوعة.
[49] ساقطة من المجموعة.
[50] ساقط من المجموعة والمطبوعة.
[51] ولا يلزم أن يكون مثيلاً وشبيهاً في كل الصفات والخصائص؛ بل يكفي أن يجعل له بعض الصفات والخصائص، فيكون بها ندا. وقد جعل الله من أحب متبوعه ومعتقده حب تعظيم وتقديس وخوف كحب المؤمن لله = متخذاً من دونه ندا.
ومن تأمل حال متخذي الأولياء أندادا من الله تبين له أنهم أعطوهم من صفات الحياة والسمع والبصر والقدرة والرحمة والغنى وغيرها ما هو من أخص خصائص الرب سبحانه. (محمد حامد الفقي)