وأن هذا صراطي مستقيما الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي الدرس 3

وأن هذا صراطي مستقيما أهل الصراط المستقيم من هم
الأربعاء 19 جويلية 2017    الموافق لـ : 24 شوال 1438
تحميل الشريط

عناصر الشريط

تفريغ الشريط

أهل الصراط المستقيم

أما أهل هذا الصراط من هم أهل هذا الصراط؟ بَيَّن الله في قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ صراط الذين أنعمت عليهم، أهل هذا الصراط المُنْعَم عليهم، المُنْعَم عليهم، أَنْعَمَ الله عليهم بالعلم والعمل، أنعم الله عليهم فوفقهم للإيمان المبني على العلم والبصيرة، ليس هناك إيمان إلا بالعلم، أنعم الله عليهم بالإيمان، ثم أنعم عليهم بالعمل، وهم الرابحون -أهل الربح- الذين استثناهم الله في قوله: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فأهل الصراط المستقيم هم الذين أنعم الله عليهم، وأعظم نعمة ينعم الله بها عليك أن يجعلك من أهل الصراط المستقيم.

والمنحرفون عن هذا الصراط طائفتان: طائفة يعلمون، عندهم علم، ولكن لا يعملون، خذلوا فلم يعملوا، والطائفة الثانية عندهم عمل ولكن على غير بصيرة، على جهل وضلال، الطائفة الأولى مغضوب عليهم، حل عليها الغضب، والطائفة الثانية ضالة، توصف بالضلال.

وهذا الدعاء الذي في سورة الفاتحة أعظم دعاء، وأنفع دعاء، وأجمع دعاء، وحاجة الإنسان إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يترد بين جنبي الإنسان؛ لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب وفقد النفس مات، مات الجسد، والموت لا بد منه، ولا بد للإنسان من كونه يموت إذا كان مستقيما على شرع الله ودينه، الموت لا بد منه ولا حيلة في دفعه، وإذا مات الإنسان وهو مستقيم على شرع الله ودينه فهو على الحق، لكن إذا فقد النور وفقد الهداية مات قلبه وروحه، وصار كافرا، وصار من أهل النار، نعوذ بالله، هلك وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا إذا مات، نعوذ بالله.

ومن لطف الله -تعالى- وإحسانه إلى عباده أن شرع لهم الدعاء وسؤال الله الهداية، اهدنا الصراط المستقيم، وسؤال الله السلامة من طريق المغضوب عليهم والسلامة من طريق الضالين، بل أوجد الله ذلك في كل ركعة من ركعات الصلاة، في سورة الفاتحة، بعد الثناء ومحبة الله وخوفه ورجاءه وتخصيصه بالعبادة جعل الدعاء، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ هذا أفضل دعاء، وأنفع دعاء، وأجمع دعاء، وأحوج شيء إلى الإنسان، بل الإنسان مضطر إلى هذا الدعاء، أعظم من الطعام والشراب، لو كان هناك شيء أنفع من هذا الدعاء لشرعه الله، فلما شرع الله هذا الدعاء في سورة الفاتحة وجعلها ركنا من أركان الصلاة في كل ركعة تركعها فيها، دل على أنه أكثر المنافع للعبد.

فإذن أهل هذا الصراط هم المنعم عليهم، والمنعم عليهم هم الذين مَنَّ الله عليهم بالعمل ومَنَّ الله عليهم بالعمل، والعلم لا بد أن يكون على بصيرة؛ لأن العلم هو البصيرة، إن الله عليم بالإيمان والتصديق والعلم، ثم مَنَّ عليهم بالعمل. وهم أهل العلم والعمل، وهم أربع طوائف، أربعة أصناف، والمنعم عليهم أهل هذا الصراط أربعة أصناف: الصـنف الأول: الأنبياء والرسل. والصنف الثاني: الصديقون. والصنف الثالث: الشهداء. والصنف الرابع: الصالحون، الصالحون من المؤمنين والصالحون.

هؤلاء الأصناف الأربعة هم على الصراط المستقيم، وما عداهم فهو إما مغضوب عليه وإما ضال، إما مغضوب عليه بأنه لم يعمل، وإما ضال لأنه لم يعلم، ما عنده علم ولا بصيرة، وإن كان عنده عمل، فالذي يعلم ولا يعمل مغضوب عليه، والذي يعمل بدون علم ضال، والذي يعلم ويعمل منعم عليه.

الله -تعالى- قسم الناس في سورة الفاتحة ثلاثة أقسام: قسم منعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالون، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .

فالطائفة الأولى من المنعم عليهم الأنبياء والرسل، وأفضل الناس هداية ونعمة هم الأنبياء والرسل، وأكملهم -أكمل الرسل- أولو العزم الخمسة، هم أكمل الناس في العلم والعمل والخشية والخوف، أولو العزم الخمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد هؤلاء هم أولو العزم الخمسة ذكرهم الله في سورتين من كتابه، في سورة الأحزاب، وفي سورة الشورى، شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ذكر الله أولو العزم الخمسة، وذكرهم أيضا في أول سورة الأحزاب النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ثم بعد ذلك ذكر الله الآية التي فيها أولو العزم الخمسة كما ذكرهم في سورة الشورى، وسموا أولو العزم لأن لهم من الصبر والتحمل ما ليس لغيرهم، قال الله -تعالى- لنبينا: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ فاصبر كما صبر أولو العزم، هم أكمل الناس هداية، وأتم الناس نعمة، أتم الله عليهم النعمة، وأكملهم وأتمهم نعمة وهداية الخليلان إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- وأكملهما وأتمهما نعمة نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله هو أكمل الناس هداية، أتم الله عليه النعمة، وشرح صدره، ورفع ذكره، هو أكمل الناس، وأخشع الناس، وأتقى الناس، وأعبد الناس، وأسجد الناس، وأعلم الناس بالله، وأتقى الناس، قال -عليه الصلاة والسلام-: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وأنا أعلمكم بالله وأحسنكم دينا، وأعلم الناس وأتقى الناس وأعبد الناس وأسجد الناس وأفضل الناس هو نبينا وإمامنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأفضل الناس هداية، بهداية الصراط المستقيم. ثم يليه جده الخليل إبراهيم ثم يليه موسى الكليم، ثم يليه بقية أولو العزم الخمسة عيسى ونوح ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء.

هذه هي الطائفة الأولى، الأنبياء والمرسلون هم أكمل الناس وأهدى الناس وأتقى الناس استقامة على هذا الصراط المستقيم؛ لأن الله اصطفاهم، لأن الله اجتباهم واصطفاهم واختصهم بالرسالة والنبوة، اختارهم لهداية الناس، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .

ومن كمال هدايتهم وإتمام نعمته عليهم أن الله ملأ قلوبهم خشية وإيمانا وتقى، وشرح صدورهم ووفقهم للعمل، ثم أعطاهم من الشريعة، ثم وفقهم وأعانهم وقواهم لهداية الناس والإرشاد والتعليم ودعوتهم وإبلاغهم ونصحهم، فالأنبياء أنصح الناس للناس، أنصح الناس للناس هم الأنبياء، فيجب أن تكون مستعدا.

وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير والمؤمن القوي هو الذي يتعدى نفعه للآخرين، والمؤمن الضعيف الذي يقتصر نفعه على نفسه، مؤمن يعبد الله ويصلي ويصوم، لكن يقتصر نفعه على نفسه، أما المؤمن القوي فهو الذي يتعدى نفعه للناس، فينفع الناس بتوجيهه وإرشاده، أو بنفقته وإطعامه الجائع وصدقته على الناس، أو بشفاعته أو ببدنه، ينفع الناس ببدنه، أو بجاهه، بتوجيهه وتعليمه، أو بشفاعته، أو بماله، نفعه يتعدى الناس ينفع كل الناس، هذا هو المؤمن القوي، إذا كان هذا في المؤمن القوي فالأنبياء لهم السبق في هذا، فهم أسبق المؤمنين على الخير إلى نفع الناس، وهم أنصح الناس للناس، وأنفع الناس للناس هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فلهم الكدح+ المعلى، ولهم السبق في هذا المضمار لنفع الناس، وبذلك صاروا أفضل الناس، وأتم الناس نعمة، وأكملهم هداية، وهم على الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، هذه هي الطبقة الأولى.

فكونهم أفضل الناس وأكمل الناس استقامة على هذا الصراط المستقيم؛ لأن الله اجتباهم واصطفاهم، ولأن الله من عليهم بالعلم، ومن عليهم بالعمل، ومن عليهم بإرسالهم، فبلغوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وصبروا على الأذى صبرا عظيما، نوح -عليه الصلاة والسلام- صبر يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يدعوهم، ولم يقصر ليل نهار، ويدعو بها، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ومع ذلك في هذه المدة الطويلة ما أسلم إلا القليل ما آمن إلا قليل، قال الله عنهم، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ومع ذلك يقولون: مجنون، ساحر، صبر هذا الصبر العظيم، واستمروا على العناد، ولم يؤمن إلا القليل كما قال الله: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ مع هذه المدة الطويلة حتى أنزل الله عليه وأخبره بأنه لن يؤمن أحد زيادة على ما سبق وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فلما أخبره الله بذلك ورأى أنه لا حيلة فيهم دعا، دعا وقال: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا بهذا صار الأنبياء أكمل الناس هداية، وأتم الله عليهم النعمة، وهداهم على الصراط المستقيم، وكذلك بقية الرسل، وكذلكَ نبينا -صلى الله عليه وسلم- صبر صبرا عظيما وأوذي في الله، خَنَقَه أبو جهل حتى جاء أبو بكر وقال: أتقتل رجلا أن يقول ربي الله؟

وأوذي، وضع السلا عليه -عليه الصلاة والسلام- وهو يصلي على رقبته، وكسرت رباعيته يوم أحد وجرحت وجنتاه، وسقط في حفرة، وصاح الشيطان: إن محمدا قد قتل، ودبروا له المؤامرات، دبروا لقتله مرات، وأوذي -عليه الصلاة والسلام- وصبر، وكذلك الأنبياء، كثير من بني إسرائيل دعا قومه فقتلوه، قُتِلَ جم غفير من الأنبياء كما قال سبحانه: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ قتل زكريا وقتل يحيى وغيرهم فصبروا؛ لأنهم على الصراط المستقيم، لأنهم أتم الناس وأقوى الناس بذلك.

ثم الطبقة الثانية والفرقة الثانية من أهل هذا الصراط الصديقون، الصديقون الذين كمل تصديقهم، والصِّدِّيق صيغة مبالغة من قوة إيمانهم وتصديقهم، هذا الإيمان والتصديق يحرق الشبهات والشهوات فيقضي عليها، من قوة إيمانهم وتصديقهم لا تقع منهم شهوة إلا أحرقها هذا التصديق القوي الجازم، ولا شبهة إلا يحرقها التصديق، هم أكمل الناس بعد الأنبياء، وأقوى الناس بعد الأنبياء؛ لكمال صدقهم وإيمانهم، وهم أسبق الناس إلى أداء الفرائض، والانتهاء عن المحارم، والاستقامة على هذا الدين والثبات عليه، وفي مقدمتهم الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- وهو أقوى الناس بعد الأنبياء، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين أفضل من أبي بكر نَوَّه الله -تعالى- به في مواضع من القرآن قال: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ والذي جاء بالصدق هو نبينا محمد والذي صدق به هو أبو بكر

ونزلت فيه الآيات، وسيجنبها -يعني النار- الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وهو أبو بكر وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى .

وهو في الرتب الأولى من الصديقين، في مقدمتهم، ثم يليه بقية الصديقين، ثم الطبقة الثالثة الشهداء، الشهيد من قوة إيمانه وتصديقه وعمله بالشريعة أنه بذل نفسه وروحه التي هي أغلى شيء، أغلى شيء يملكه الإنسان روحه التي بين جنبيه، أغلى شيء يملكه روحه التي بين جنبيه، فالشهيد يبذل روحه رخيصة لإعلاء كلمة الله من شدة إنكاره للمنكر وغيرته على دين الله واتباعه شرع الله يبذل نفسه وروحه حتى يُقْتَل في سبيل الله، ويبذل ماله، ويجاهد بنفسه وماله، وهذه هي التجارة الرابحة الذي قال الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

والتجارة الرابحة تكون بالإيمان بالله والجهاد في سبيله بالمال والنفس، والمال شقيق الروح، فيبذل ماله، والمال يستعان به في شراء الأسلحة للمجاهدين، وفي الإنفاق على أسر المجاهدين والشهداء، والمال أوسع، ولهذا قدمه الله، الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في مواضع من القرآن العزيز إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

الشهيد من قوة إيمانه وتصديقه واستقامته على الصراط المستقيم أنه يبذل نفسه التي هي أغلى شيء وماله لإعلاء كلمة الله.

ثم الطبقة الثالثة والصنف الثالث من المنعم عليهم من أهل الصراط المستقيم الصالحون، والمراد بهم المؤمنون، كل مؤمن عنده أصل الصلاح، يعني سائر المؤمنين، وهذه الطبقة ++ ذكرهم الله في سورة النساء وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا والله -تعالى- بَيَّن أن أهل الصراط المستقيم هم المنعم عليهم، وبَيَّن في سورة يونس أن المنعم عليهم هذه الأصناف الأربعة والصالحون وسائر المؤمنون.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

في الحقيقة الأسئلة كثيرة جدا، منها ما يتعلق يعني بموضوع المحاضرة أو قريب منه، ومنها ما يتعلق بموضوع التوحيد وبعض الألفاظ التي تقال، وبعض التعامل بالفرق المنحرفة، ومنها ما يتعلق بمواضع خاصة كالطلاق والصلوات ونحو ذلك، لذلك سوف نقتصر -إن شاء الله- يعني إذا تيسر الوقت على ما يتعلق بموضوع المحاضرة، وإن كان في الوقت متسع نشير إلى بعض الأسئلة المهمة، ولتكن بعد الصلاة مثل أمس، طيب بعد الصلاة، بعد الصلاة نكملها بعد الصلاة..

س: يقول صاحب السؤال: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: إني أحبك في الله -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته والله أدعو أن نكون متحابين في الله- يقول: في هذه الآية الكريمة دليل على أن طريق الحق واحد لا ثاني له، فهل اختلاف طرق المسلمين بالدعوة من العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعارض هذه الآية، وما وجه الجمع -حفظك الله-؟

ج: لا يعارض، إنما يختلف في الوسائل، باختلاف الوسائل، الوسيلة التي يدعو بها إلى الصراط المستقيم المدعو إليه شيء واحد، وهو الصراط المستقيم، كون الوسيلة تختلف ما يضر، الوسيلة عن طريق -مثلا- تدعو عن طريق الخطبة، خطبة الجمعة، أو عن طريق وعظ الناس، أو طريق الإذاعة، أو في الصحف، أو في أي طريق من طرق وسائل الإعلام، هذه وسائل، وهي الطريق يسلكها الإنسان في إبلاغ هذا الدين على اختلاف الوسائل، وأما دين الله فهو واحد.

س: يقول: هل صحيح أنه يستدل بهذه الآية على أن أقرب الطرق هو الطريق المستقيم؟

ج: ما يتعقب الطرق، ليس هناك إلا الصراط المستقيم، يستدل بهذه الآية على أن الصراط المستقيم هو دين الله، وما خالفه فهو باطل، ولا يقال اختلاف الطرق هو طريق واحد، الصراط المستقيم هو طريق واحد، وما خالفه فليس من دين الله.

س: هل من كان على طريق الخير والالتزام، وشاب التزامه شوائب من المعاصي والمنكرات، هل هو على الطريق المستقيم؟

ج:إذا كانت هذه المعاصي والمنكرات لا تنقض الإسلام فيكون عنده أصل الصراط المستقيم، وعنده نقص في سلوكه، هذه المعاصي تعتبر نقصا، نقص وضعف، ليس عنده استقامة كاملة، لكن له أصل، مثل الطائفة الظالمون لأنفسهم كما سبق، عندهم أصل الإيمان فيدخلون به إلى الجنة، لكن ظلموا أنفسهم بفعل المحرمات، بعض المحرمات مثل ترك الواجبات، فعرضوا أنفسهم لعذاب الله، قد يعذبون في النار، وقد يعذبون في القبور، وقد يُعْفَاعنهم، لكن في النهاية يخرجون.

س: هل الوقوع في بعض البدع يُبْعد عن الصراط المستقيم؟

ج: نعم يبعد، يبعد عن الاستقامة عليه، فعل البدع والمعاصي يضعف الاستقامة عليه، الاستقامة على الصراط المستقيم هو توحيد الله وأداء حقوقه، أداء الواجبات وترك المحرمات، فمن وحد الله ولم يقع في عمله شرك فهو على الصراط المستقيم، لكن إذا قصر في الواجب ضعف استقامته على هذا الصراط المستقيم.

س: ما معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خط فيه خطا ثم عن يمينه وشماله خطوطا، كيف نعرف هذه الخطوط المخالفة للصراط والخط المستقيم؟

ج: هذا مثال من الأمثلة، الله -تعالى- يضرب الأمثلة في القرآن، والنبي يضرب الأمثلة قال: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ الأمثلة حتى يتبين منه، ينتقي الإنسان من هذا المثال إلى الأمر الذي ضرب له المثل، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- خط خطا طويلا وقال: "هذا صراط الله"، ثم خط خطوطا قصيرة عن يمينه وعن شماله، قال: "هذا سبيل على كل سبل شيطان يدعو إليه"، قال: "هذا دين الإسلام"، دين الإسلام مستقيم مثل هذا الخط، والسبل المتعرجة عن يمينه وعن شماله طرق الباطل، فاحذر أن تسلك سبل الباطل، واستقم على الصراط المستقيم.

س: فضيلة الشيخ، حديث الافتراق، وأن هذه الأمة تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، نرجو توضيح سمات هذه الفرقة الناجية والمنصورة.

ج: ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى عن اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة. من هذه الفرقة؟ بينها رسول الله سئل قال: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي هذا وصفها الطائفة المنصورة هم أهل الحق، هم أهل الاستقامة، هم أهل السنة والجماعة، هم الذين يسيرون على منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من كان مثل ما أنا عليه وأصحابي، هذه سماتهم، هم أهل الحق، وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق والاستقامة، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الذين يسيرون على منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

س: فضيلة الشيخ، أرجو إعادة الوصايا العشر وأين هي في القرآن.

ج: في سورة الأنعام في آخرها في الثمن الأخير منها من قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

في الآية الأولى قال: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ والثانية تَذَكَّرُونَ والثالثة تَتَّقُونَ ؛ لأن الإنسان إذا تعقل تذكر ثم اتقى، فالآية الأولى فيها خمس وصايا، والثانية أربع وصايا، والثالثة وصية، وهي الوصية العاشرة، وهي شاملة لجميع الوصايا، الوصية العاشرة، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ تشمل الوصايا التسعة، من استقام على الصراط المستقيم وحد الله، وأخلص الدين لله، ولا يعتدي على النفوس، ولا يطفف المكيال والميزان، ويفي بعهد الله، ولا يجادل إلا بالتي هي أحسن، هذه الوصية العاشرة شاملة للوصايا التسع، إن استقام على الصراط المستقيم، كأن لا يشرك بالله، ولا يقتل النفس، ولا يخون في العهد، ولا يعتدي على مال اليتيم، فقد استقام على الصراط المستقيم، توحيد وإخلاص وأداء حقوق الله وحقوق العباد.

س: فضيلة الشيخ -أحسن الله إليكم- تطرقتم في محاضرتكم إلى معنى الصراط، وأهل هذا الصراط، وكيفية اتباع هذا الصراط، ونريد أيضا نماذج لمن خالف هذا الصراط وتنكبه وصد عنه ممن يدعي الإسلام في الماضي والحاضر.

ج: ذكرت الذين تنكبوا هذا الصراط، وأنهم طائفتان المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، ومن أمثلتهم اليهود، + اليهود، يعلمون ولا يعملون، تنكبوا الصراط المستقيم، ومن أمثلتهم الذين فسدوا من علماء هذه الأمة كالخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة وغيرهم من فرق الضلال، هؤلاء تنكبوا الصراط المستقيم، فالطائفة الثانية الضالون الذين يعبدون الله ++ النصارى ضربت لك مثال مثل الصوفية بجميع أقسامهم والزهاد الذين يتعبدون على جهل وضلال، طوائف الصوفية والقدرية والشاذلية وغيرها كلها من طوائف ضلال.

س: هل إذا استقام الشخص على دين الله يكون بهذا قد سلك الصراط المستقيم؟

ج: نعم من استقام على دين الله، ووحد الله، وأخلص له العبادة، واستقام على دين الله، ووقف عند حدود الله، هذا هو الصراط المستقيم.

س: هل الاستقامة على الصراط تحتاج إلى فترة تربية حتى يستقيم الإنسان، وكيف يحدد ذلك، وما هو مقياس الاستقامة؟

ج: يجاهد نفسه، ويتعلم دينه، ويسأل عما أشكل عليه، ويتدبر كتاب ربه وسنة نبيه، ويعمل، هذا هو الصراط المستقيم، ويجاهد نفسه في العمل، يجاهد نفسه حتى يتعلم دينه، ثم يجاهد نفسه حتى يعمل فيوحد الله ويخلص له العبادة، ويؤدي حقوقه وحقوق العباد، ويستقيم على الدين، فهذا يكون على الصراط المستقيم.

س: كثر من بعض الأشخاص التنقص من علماء الأمة والإقلال من شأنهم بحجة أنهم علماء الطلاق والحيض وغيره، وأنهم لا يفقهون شيئا في أمور الدنيا الحديثة من التطور. ما هو جوابك؟

ج: جوابنا أن هؤلاء منحرفون عن الصراط المستقيم، وهؤلاء مخذولون، والعياذ بالله؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ومن طعن في العلماء فقد طعن في الدين، هذا يدل على انحراف هؤلاء وقلة بضاعتهم من الديانة والإيمان، واتباعهم لأعداء الله والدعاية التي ترد عليهم من علماء الضلال، والواجب عليهم الواجب على الإنسان أن يتقي الله -عز وجل-، وأن يقدّر العلماء ويحترمهم، ويأخذ العلم منهم، والعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما؛ وإنما أورثوا العلم.

وإذا طعن في العلماء معناه سد طريق الحق في وجهه، إذا طعن في العلماء ممن يأخذ الناس دينهم؟ ممن يأخذون من العلماء إذا طعنت في العلماء، طعنت في هذا الدين يعني ما عرفت دينك إذا طعنت في العلماء، نأخذ الدين عن من؟ نأخذه عن الصحفيين؟ وللا نأخذ ديننا عن العلمانيين؟ وللا نأخذ ديننا عمن يقول عنه الصوفية؟ وللا نأخذ ديننا عمن نأخذ الدين؟ وللا عن المهندسين، نروح نسأل المهندسين؟ وللا نسأل الأطباء، نروح للأطباء نقول علمونا الدين؟ من نأخذ الدين؟ نطعن في العلماء من نطعن؟ نقف حائرين. العلماء هم اللي يدلونا ويرشدونا له ويوضحون لنا كتاب الله وسنة رسوله، استدلوا عليه بأفكارهم وأعمالهم وتصوراتهم، فأفسدوا أفكارهم وأفسدوا أخلاقهم، وجعلوا بينهم فجوة بين العلماء حتى يكونوا في حيرة لا يدرون ماذا يعملون وماذا يعبدون ولماذا يتعبدون لله، نسأل الله السلامة والعافية.

فالواجب الحذر من هذه المقالة والتحذير منها، فهي مقالة خبيثة وردت عن أعداء الله تلقفها هؤلاء المخذولون المرذولون، نسأل الله السلامة والعافية.

س: يقول: ما هي مقومات الثبات على الصراط المستقيم، ونحن نعلم أن هذا زمن قد كثرت فيه الفتن، سواء كانت مرئية أو مقروءة، في كل مكان يذهب إليه العبد المؤمن، القابض على دينه كالقابض على جمر، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟

ج: مقومات هذا الدين كما سبق، أن تخلص العبادة لله، وأن تؤمن في الباطن، وتعمل في الظاهر، وتبتعد عن نواقض الإسلام، وتؤدي حقوق التوحيد وحقوق العباد، وهذه مقومات هذا الدين، والسلامة من الفتن لزوم الصراط المستقيم، من لزم الصراط المستقيم فقد سلم من الفتن، وسلك طريق الصراط المستقيم، توحيد الله وإخلاص الدين لله، وأداء حقوقه وحقوق العباد، والبعد عن نواقض الإسلام. نعم، وجهاد النفس بالعلم والعمل.

س: فضيلة الشيخ، أنا شاب أخلط عملا صالحا وعملا سيئا، أذكر الله في مواطن الذكر ومواطن عبادته، وكثيرا ما أسيح في هذه الدنيا وأبتعد عن طاعته في مواطن أخرى، وألهو في الحياة، وأخاف من النفاق في ذلك، مع حبي الشديد للخير والطاعة. بماذا تنصحوني -جزاكم الله خيرا-؟

ج: ننصحك بالتوبة، التوبة من المعاصي، والرجوع إلى الله، والندم على ما مضى، وننصحك بالاستقامة على الدين وجهاد النفس، ومخالطة الصالحين والأخيار، والبعد عن الأشرار، والإكثار من تلاوة القرآن وتدبره وتعقله وتفهمه، وحضور حلقات العلم والدروس العلمية، وسماع النصائح والدروس في الإذاعة وفي المساجد في كل مكان، والبعد عن الأشرار، وجهاد النفس، تشغل نفسك بهذه الأمور؛ بقراءة القرآن، والإكثار من ذكر الله، وحضور الحلقات والدروس العلمية والأنشطة المفيدة، والبعد عن الأشرار، وصحبة الأخيار، تشغل نفسك بهذا، وتملأ وقتك بهذا، وبهذا تتوب من المعاصي، وتجاهد نفسك في أداء حقوق الله والطاعات، وتجاهد نفسك في ترك المحرمات، بهذا تستقيم على طاعة الله وتسلم مع معاصيه.

س: يقول: من هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ هل من عمله الصالح أكثر من السيئ، وكيف يكون حاله بعد الممات؟

ج: الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا هم مؤمنون، لكن لهم معاص، تجد مؤمنا موحدا يصلي ويصوم ويزكي ويحج، لكن تجده قد يفعل الزنا، قد يتعامل بالربا، قد يعق والديه أو يقطع رحمه، أو يؤذي جيرانه، أو يجحد حقوق الناس، أو ينقد سلعته بالحلف الكاذب، أو يغش ويخادع، فله عمل صالح، يصلي ويصوم ويحج، وله عمل سيئ، وهو الغش والخداع أو التعامل بالربا وعقوق الوالدين أو قطيعة الرحم، هذا يسمى خلط عملا صالحا وآخر سيئا، أعماله السيئة والمعاصي تحت المشيئة، قد يغفر الله له، وقد يعذب، قد يعذب في النار، وقد يعفا عنه، وإذا عذب في النار مكث فيها على قدر جرائمه ثم يخرج منها إلى الجنة إذا بقي على التوحيد، أما من مات على الشرك هذا لا حيلة فيه، مخلد في النار، لا حيلة فيه، مات على الشرك والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر، والشرك الأكبر، والفسق الأكبر، والظلم الأكبر، لا حيلة فيه، الجنة عليه حرام -نعوذ بالله- ولا نصيب له في الشفاعة، إنه مشرك بالله، وقد حرم الله عليه الجنة، لكن المؤمن الموحد الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا هذه حاله كما سمعتم.

س: يقول: لعلك يا شيخ تذكِّر طلبة العلم بنشر الدعوة بين الناس والذين شغلتهم الحياة ومتاعبها في التفقه في الدين واستخدام الرفق واللين وعدم الحكم على مقاصد المسلمين ونياتهم بأخطاء أو سهو أو نسيان.

ج: نعم، هذا حق، هذا حق يجب على الإنسان أن يدعو إلى الله، لكن على بصيرة لا تدعو إلى شيء لا تعلمه، تعلم حكمه من الشرع والأمور، والمعلوم من الدين بالضرورة تدعو له، تدعو إلى الصلاة، إلى الصوم، إلى الزكاة، إلى الحج، تنهي عن الربا، عن الزنا، عن السرقة، عن عقوق الوالدين، عن قطيعة الرحم، أما الشيء الذي يشكل عليك فلا، لا تتكلم إلا بشيء تعلمه، ويمكن هذا باللين والرفق والحكمة، وبيان أنك مشفق، تشعر من تدعوه بأنك مشفق وأنك ناصح له، وأنك تريد له الخير، هكذا ينبغي للمؤمنين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق، ويحب بعضهم بعضا، ويفيد بعضهم بعضا، وينصح بعضهم بعضا، هكذا شأن المؤمنين وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فالمؤمن ولي أخيه، ينصح له وينصره ويؤيده، ولا يخذله، ولا يحقره.

طيب دعونا نتوقف -إن شاء الله- لأداء الصلاة، وبعد الصلاة نقول ما تيسر -إن شاء الله- لنا.

وانقطاع ألفاظ الأشخاص كل هذا من وسائل الشرك، فيبتعد عن المسلم حتى يستقيم على الصراط المستقيم، لا بد من هذا، اتباع الصراط المستقيم هو توحيد الله، وإخلاص الدين له، والإيمان به وملائكته، والإخلاص والتوحيد لا بد فيه من الإيمان في الباطن، تصديق جازم، إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولا بد من عمل في الظاهر يتحقق به هذا الإيمان؛ صلاة، صيام، زكاة، حج، بر الوالدين، وإلا لا يتحقق الإيمان، من يدَّعي الإيمان وأنه مصدق بقلبه ولا يعمل ما تحقق، نقول: إيمانك كإيمان فرعون وإبليس، فرعون مصدق في الباطن، وإبليس مصدق، ما في عمل يتحقق به، اعملْ حتى يتحقق الإيمان، ولا تشابه إبليس الذي لا يعمل وإن كان يدَّعي أنه عارف بربه، وكذلك فرعون، عارفون بربهم، ولكن لا يعملون، هذه المعرفة ما تحققت، التصديق ما تحقق، وكذلك العمل، الذي يعمل لا بد من تصديقه في الباطن، الإيمان، وإلا صار كالمنافقين، المنافقين يعملون، لكن عملهم لا يصح، عند التصديق لا يصح هذا العمل.

يعملون رياء وسمعة، كذب، عملهم باطل، عملهم رياء، عملهم كذب، ما عندهم إيمان صادق يصحح هذا التصديق، ما عندهم إيمان صحيح صادق يصحح هذا العمل.

المنافقون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلون ويجاهدون ويعملون، لكنهم في الباطن مكذبون وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ آمنا بالله وباليوم الآخر بألسنتهم، وما هم بمؤمنين بقلوبهم، إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ لا بد من اتباع الصراط المستقيم، والبعد عن نواقض الإسلام.

وإن الإنسان إذا آمن وصدق ثم فعل ناقضا من نواقض الإسلام انحرف عن الصراط المستقيم، وصار من أهل الزيغ والضلال، وصار من المغضوب عليهم، من المغضوب عليهم أو من الضالين، صار من المغضوب عليهم إذا اتخذ لله صاحبة أو ولدا، أو زعم أن الله له شريك في الملك أو بعض المدبر++ أو يستحق العبادة غيره انتقض الإسلام والدين، وانحرف عن الصراط المستقيم، وصار ضالا، إذا شك في الله، أو في ربوبيته، أو في أسمائه وصفاته، أو شك في البعث، أو في ملك من الملائكة، أو في الرسل، أو في يوم القيامة، أو شك في يوم القيامة، أو شك في الجنة أو شك في النار، انتقض الإسلام، انتقض الإيمان، وصار مغضوبا عليه، وانحرف عن الصراط المستقيم.

إذا سب الله، أو سب الرسول، أو سب دين الإسلام، أو استهزئ بالله أو بكتابه أو برسوله انحرف عن الصراط المستقيم، وصار غاويا ضالا، وصار مغضوبا عليه، بطل الإسلام والدين وانحرف عن الصراط المستقيم.

إذا سجد للصنم، أو استهان بمصحف وداس عليه بقدميه، استهانة، انتقض إسلامه ودينه، وصار مغضوبا عليه، وصار منحرفا عن هذا الصراط المستقيم.

فلا بد في سلوك الصراط المستقيم والاستقامة عليه واتباعه توحيد الله، وإخلاص الدين له، والكفر بالطاغوت، وإيمان بالله، وتوحيد خالص، وعمل صادق، تصديق في الباطن وعمل في الظاهر، يصح هذا التصديق، وانقياد، وبعد عن نواقض الإسلام.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا جميعا للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يرزقنا سلوك صراطه المستقيم، وأن يعيذنا من الشيطان الرجيم، وأسأله -سبحانه وتعالى- من المنعم عليهم، وأن يرزقنا إتباع الكتاب والسنة، والعمل بهما، والسير على منهجهما، وأن يجعلنا من المنعم عليهم الذين مَنّ الله عليهم بالعلم والعمل، ومَنّ عليهم بسلوك الصراط المستقيم واتباعه، وأن يعيذنا من سلوك طريق المغضوب عليهم وسلوك طريق الضالين، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويثبتنا على دين الإسلام، وعلى الصراط المستقيم حتى الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.